رواية امرة العقاپ بقلم ندي محمود توفيق
وإذا بها تذكرت أنهم ينقصهم الارز بالمنزل ولن تتمكن من تحضير وجبة غذاء اليوم بدونه فانحرفت بقدمها لليسار نحو أحد محلات البقالة ووقفت تهتف بابتسامة خاڤتة من الإرهاق
_ ازيك يا أم سلامة
رفعت السيدة نظرها إلى مهرة وطالعتها بعين
ثاقبة ثم وقفت وقالت بهدوء
_ نحمدو أخبار الحجة فوزية إيه
_ كويسة الحمدلله اديني كيلو رز يا أم سلامة
تحركت السيدة خطوتين في محلها الصغير
والتقطت كيس ارز متوسط الحجم ثم وضعته في كيس أصفر اللون وأعطته لها وقبل أن تلتقط منها النقود انحنت للأمام مستندة برسغها على سطح المنضدة الخشبية الكبيرة التي تفصل بين الشارع والمحل من الداخل وغمغمت بعين خبيثة وابتسامة ساخرة
رمقتها مهرة بابتسامة صفراء ومثلجة بينما الأخرى استكملت بخبث أشد
_ ده سيرتك على كل لسان في المنطقة قال إيه بنت رمضان الأحمدي بتطفش العرسان عشان لا مؤاخذة يعني مشيها بطال صحيح الكلام ده يابت قوليلي ومټخافيش ده أنا برضوا يهمني مصلحتك اصل لو الكلام ده
اختفت ابتسامتها وتحولت نظراتها المثلجة إلى نيران متوهجة وتشنجت عضلات وجهها حتى أصبح وجهها اللطيف مرعبا وخرج صوتها شبه عاليا بانفعال هادر
_ اقولك إيه يا ولية ياخرفانة انتي بعدين مين دي اللي مشيها بطال ده أنا اشرف منك ومن عيلتك كلها لتكوني فكراني مفياش لسان ومش هعرف ارد عليكي لا ده أنا لساني طويل وزفر أوي كمان
_ بقى أنا خرفانة يابنت حليمة الشحاتة لكن هقول
إيه ماهو صحيح تربية والدور والباقي على الحجة فوزية اللي معرفتش تربي بنت ابنها
تجمع جميع من بالجوار من أهل الحارة على أثر صياح أم سلامة بينما مهرة فوصلت إلى ذروتها حيث ألقت ما بيدها من أكياس وهمت بأن تهجم على أم سلامة لولا أن إحدى الشابات بالمنطقة كبلت مهرة تمنعها وهي تهتف
صړخت مهرة باعلى صوتها محدثة أم سلامة وهي تحاول التملص منها
_ طاب إيه رأيك أنا هوريكي التربية اللي على حق
تمكنت من التملص من الشابة التي تمسك بها واندفعت نحو أم سلامة التي كانت في بداية العقد الخامس من عمرها وجذبتها من حجابها صائحة بأسلوب الحواري التي ترترعت به
_ عارفة لو سيرة أمي جات على لسانك ال ده تاني هكون قطعهولك أصل إنتي ست عايبة وبجحة ومفيس راجل عرف يحكمك
_ بدل ما تتشطري عليا روحي داري على فضايحك وسيرتك اللي على كل لسان دي
صاحت بها سيدة متقدمة في العمر
_ جرا إيه يا أم سلامة كفاية خلاص ميصحش اللي بيتعمليه ده
ثم أمسكت بذراع مهرة تجذبها معها عنوة إلى خارج الحشد الذي تجمع على أثر المشاجرة العڼيفة بينما مهرة فكانت عبارة عن قنبلة موقوتة والسيدة التي تمسك بها هامسة في خفوت ولطف محاولة تهدئتها
_ خلاص يابنتي اهدي وسيبك من كلام بدرية ما إنتي عارفة هي كدا بتحب تنكش في اللي رايح وجاي وتتخانق مع أي حد
مهرة بحړقة
_ إنتي مسمعتهاش بتقولي إيه ياحجة أمينة !
_ سمعتها يابنتي بس انتي غلطانة مكنش ينفع تردي عليها أصلا وكنتي سبتيها ومشيتي
_ يعني تغلط فيا وفي أهلي واسكتلها !!
هرول إحد الأطفال خلفها وهو يحمل أكياسها ويقول بحب بريء
_ خدي يامهرة الكياس بتاعتك ومتزعليش نفسك دي ست شعنونة
هتفت أمينة بحزم وهي تجاهد في إخفاء ابتسامتها
_ هات الكياس دي وامشي ياولا بلاش لسان طويل
جذبت منه الأكياس واعطتها لمهرة وهي تقول بحنو وعذوبة
_ خدي يلا يامهرة وروحي لجدتك يابنتي وفكي وشك كدا عشان فوزية متحسش بحاجة لأحسن ممكن يجرالها حاجة لو عرفت باللي حصل
مهرة بابتسامة جميلة وهادئة
_ حاضر ياحجة أمينة اطمني أكيد مش هقولها وشكرا بجد
_ إنتي زي بنتي يامهرة متقوليش كدا
اقتربت منها مهرة وعانقتها بود ثم التقطت الأكياس منها وسارت متجهة نحو منزلها وهي تشد على محابس دموعها فما
سمعته كان ثقيل جدا رغم أنها أظهرت القوة أمام الجميع
داخل مقر شركة أل الشافعي تحديدا بمكتب عدنان
يجلس على الأريكة الصغيرة المتوسطة في منتصف الغرفة وأمامه على منضدة قصيرة مجموعة من الملفات والأوراق الخاصة بالعمل منشغلا بها ومنكبا عليها منذ أن جاء يرتدي نظارته الطبية الخاصة بالقراءة ويمسك بيده قلم فخم يعمل به في تركيز انفتح الباب بهدوء بسيط وحرص من السكرتيرة الخاصة به التي كانت تحمل كوب قهوة له واقتربت منه دون أن تتفوه ببنت شفة بعدما أخذت التعليمات بعدم مقاطعته بتاتا أثناء العمل حتى لا تنل من بطشه نصيبا انحنت جزعة للأمام ووضعت الكوب بجواره على المنضدة ثم انتصبت في وقفتها وهمت بالاستدارة والرحيل لولا صوته